بسم الله الرحمن الرحيم: دخلت حياة على أختها فايزة وهي تقرأ في غرفتها، وقالت لها وصوتها يرتجف من القلق والتوتر، أريد أن أخبرك شيئا ولكن عديني بأنك ستساعديني...
أجابت فايزة بثقة:طبعا يا صديقتي ومن لك غيري؟ ماذا هناك شغلت بالي!
- لقد تقدم لي عريس...هو صديق زوج خالتك رأيته عندها عرضًا من أسبوع تقريبا... هو أرمل ولديه ولدان: بنت وشاب، الشاب يعمل في الخارج، والبنت معه في البيت، ولكن ما من مشكلة، هي في منتصف العشرينيات يعني... على باب زواج.
- اتصلت خالتك اليوم وقالت بأنني أعجبته وطلبني للزواج، ولكن المشكلة بأنه يكبرني بأكثر من 25 سنة.
- ماذا؟ كثير يا أختي.... كثير... يعني عمره 60 سنة....
- الوقت ليس وقت مزاح...المشكلة أنه يشترط عدم الانجاب....
-ماذا؟... إذا كان لا يريد الانجاب فليتزوج فاطمة فهي تخطت سن الانجاب... وهكذا يريحنا منها، ما رأيك؟
- كفاك تهريجًا... لن أتنازل عنه... وخصوصًا لفاطمة.ثم إنني لم أعد استطيع أن أتحمل الوضع في بيتنا.. الأمر يزداد سوءا على سوء... والدك يزداد استبدادا... لقد رفض خطابًا كثر بحجة زواج أختي قبلي، أو بحجج واهية أخرى... آخر شخص رفضه من دون أن يرجع إلي أو حتى يخبرني.. هو يشعرني دائما بالذنب، كما لو أنني ارتكبت جريمة، أو كأني أنا التي طلبت من أولئك الشبان التقدّم لخطبتي،....صراحة كرهت نفسي وكرهت حياتي.. لقد تعبت.. إنها فرصتي الأخيرة، اريد ان أكون عائلتي الخاصة...
- أية عائلة... هل فكرت كيف يمكن ان تتفاهمي معه او مع ابنته؟ ماذا لو كادت لك واعتبرتك عدوة لها تريد أن تأخذ مال والدها منها... ماذا لو طلقك؟؟؟.. إني اعرف كثيرات مررن بمثل هذه المشكلات وطلقن بسبب غيرة الأولاد على مال أبيهم من زوجته، وبهذا تكونين قد هربت من جحيم إلى آخر وفي مقابل ماذا؟
-ماذا لو؟ ماذ لو؟ ما تقولينه كله افتراضات... ليس كل الرجال سواء.. لقد سألت عنه وسمعته جيدة... اما الحياة والموت فهي بيد الله وحده، قد أموت قبله... أما قضية الأولاد فدعيها للأيام... قد أقنعه فيغير رأيه...
******
عندما جاءت خالة حياة إلى البيت بعد الظهر كان الجميع بانتظارها، الأب والأبناء ما عدا فايزة التي رفضت الخروج وبقيت في غرفتها.اجتمعوا كلهم حول خالتهم وكأنهم يستعدون لمعركة حربية.. فعلاقتهم بها لم تكن على ما يرام بعد وفاة أمهم...
- كيف حالك؟ مضى زمن لم نرك يا خالتي! قالها سمير الابن الأكبر، الذي نظر إلى خالته نظرة مليئة بالتساؤلات.. خير، كيف تذكرتنا اليوم؟
-إن شاء الله ليس هناك إلا الخير؟ جئت أخبركم عن وجود شخص تقدم لخطبة حياة، وكلفني بأن أسألكم إذا كنتم توافقون كي يأتي لخطبتها.
نظر الأب وفاطمة كل إلى الآخر، وبدأ الشر يظهر على وجهيهما، إلا أن فاطمة كانت المبادرة إلى الكلام الذي وجهته إلى أختها وعلامات السخرية بادية على وجهها:ماذا؟ تريدين أن تتزوجي بعد أن بلغت من الكبر عِتيا... حلوة... "عشنا وشفننا"... بدل أن تفكري في آخرتك وتكثري من الصلاة والدعاء أن يحسن الله خاتمتك ـ تفكرين بالزواج، اللي مثلك أصبحوا جدات... صدق المثل:اللي استحوا ماتوا..
- ما هذا الكلام يا فاطمة؟ اتقي الله، قالت الخالة وهي تنظر إلى حياة التي بدأت تستشيط غيظا.. لا زالت اختك صغيرة في السن.
- والله يا أختي لست أنا من وقف في طريق زواجي، ولست أنا من كان يرفض الخطاب بحجة زواج اختي الكبرى قبلي... أجابت حياة بغضب محاولة رد كيد أختها.
-اسكتي يا بنت، قالها الأب غاضبا، والتفت إلى أبنته فاطمة التي اصطنعت البكاء وانطلقت إلى غرفتها مسرعة.
-آسفة يا أبي، ولكن أنا لن أسكت بعد اليوم، أنا لست مذنبة إذا لم تتزوج أختي حتى الآن، وهل يجب علي أن أبقى من دون زواج حتى تتزوج هي؟ ماذا لو لم تفعل؟ لقد ظلمتموني بما فيه الكفاية...
-كل شيء نصيب يا ابنتي، نحن الآن في الحاضر...قالت الخالة وهي توجه كلامها إلى الجميع:ما رأيكم بالعريس؟
نظر الإخوة إلى بعضهم، ثم التفتوا إلى الأب وكأنهم يريدون أن يسبقوه بالكلام، وقال سمير مستفسرا: ما هي مواصفاته؟
أخبرتهم الخالة بكل المواصفات ما عدا اشتراطه عدم الانجاب، وعندما أراد الأب الاعتراض على العمر، وقف أحد الأبناء في وجهه وقال له: ماذا تنتظر أن يأتيها ابن العشرين؟ لا مانع لدينا، نحن تعبنا من مصاريف البيت، إضافة إلى مصاريف عائلاتنا... تعبنا... مهما يكن الأمر فلتتزوج... وإذا مات زوجها، عندئذ لكل حادث له حديث... يمكن على الأقل أن تخرج بقرشين حلوين...
تفاجأت حياة بكلام أخيها، فهي تعرف بأنهم يريدون التخلص من مصروفها هي وأختيها، ولكنها كانت تنتظر القليل من الممانعة، مثل القول بأننا سنسأل عنه وعن أخلاقه وما إلى ذلك، أو على الأقل أن يضعوا شروطا مثل المهر والمنزل وخاصة بعد معرفتهم بفارق العمر... ولما لم تجد كل هذا، نظرت حياة إلى خالتها والابتسامة على وجهها، وقالت لها:ألم تخبريهم بأنه لا يريد الانجاب؟
- وإن يكن... لا أظنك بعد هذا العمر تفكرين بالانجاب.. يكفيك أن رجلا قبل أن يستر عليك! قالها سمير بكل حزم ومن دون أن يلتفت إلى أخته..
- يستر علي؟! الله هو الذي يستر على عباده... وما ذنبي أنا؟ حسبي الله ونعم الوكيل... خالتي.. قولي للرجل بأني لا أريد أن أتزوج... سأبقى لخدمة والدي واخوتي واكسب الأجر في ذلك.و بما أنهم يدفعون لإعالتي فعلي أن أرد لهم الجميل... ولا عليك مني.. فيحق لي ولمرة واحدة على الأقل أن يكون لي رأي ولا أحد يقرر عني... إن الزواج لم يكن يوما من الأيام من أولوياتي ولن يكون اليوم... قالت حياة كلمتها وانطلقت إلى غرفتها لتخبر اختها فايزة بنبرة كلها ثقة:باركي لي...
في هذه الأثناء قام سمير يودع خالته على الباب ويقول لها:اتركي الأمر لي... امهليني يومين ثم اتصل بك... ان شاء الله لا يصير إلا الخير... نريد همتك من أجل أختي الباقيتين... هاه لا تنسينا... سلامي إلى زوجك.
الكاتب: د. نهى قاطرجي
المصدر: موقع صيد الفوائد